-مراقبة ميول الولد، وتنمية مواهبه، وتوجيهه لما يناسبه: بحيث يجد في المنزل ما ينمي مواهبه ويصقلها، ويعدها للبناء والإفادة، ويجد من يوجهه إلى ما يناسبه ويلائمه.
قال
ابن القيم:'ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي، وما هو مُسْتَعِدٌّ له من
الأعمال، ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له، فلا يحمله على غيره ما كان
مأذونًا فيه شرعًا; فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه،
وفاته ما هو مهيأ له، فإذا رآه حسن الفهم، صحيح الإدراك،جيد الحفظ، واعياً
- فهذه علامات قبوله، وتهَيُّئِه للعلم; لينقشه في لوح قلبه ما دام
خالياً، وإن رآه ميالاً للتجارة والبيع والشراء أو لأي صنعةٍ مباحة
فليمكنه منها; فكل ميسر لما خلق له'.
27-تنمية الجرأة الأدبية في نفس الولد: بإشعاره
بقيمته، وزرع الثقة في نفسه; حتى يعيش كريماً شجاعاً جريئاً في آرائه، في
حدود الأدب; فهذا مما يشعره بالطمأنينة، ويكسبه القوة والاعتبار، بدلاً من
التردد، والخوف، والهوان، والذلة، والصغار.
28-استشارة الأولاد:كاستشارتهم ببعض الأمور المتعلقة بالمنزل أو غير ذلك، واستخراج ما لديهم
من أفكار، ثم يوازن الوالد بين آرائهم، ويطلب من كل واحد منهم أن يبدي
مسوغاته، وأسباب اختياره لهذا الرأي، وهكذا.
ومن
ذلك إعطاؤهم الحرية في اختيار حقائبهم، أو دفاترهم، أو ما شاكل ذلك; فإن
كان ثم محذور شرعي فيما يختارونه بيَّنهُ لهم. فكم في هذا العمل من زرع
للثقة في نفوس الأولاد، وإشعار لهم بقيمتهم، وتدريب لهم على تحريك
أذهانهم، وشحذ قرائحهم، وتعويد لهم على التعبير عن آرائهم.
29- تعويد الولد على القيام ببعض المسئوليات:كالإشراف على الأسرة في حالة غياب ولي الأمر، وكتعويده على الصرف،
والاستقلالية المالية، وذلك بمنحه مصروفاً مالياً كل شهر أو أسبوع; ليقوم
بالصرف منه على نفسه وبيته.
30- تعويد الأولاد على المشاركة الاجتماعية:وذلك بحثهم على المساهمة في خدمة دينهم، وإخوانهم المسلمين، إما بالجهاد
في سبيل الله، أو بالدعوة إلى الله، أو إغاثة الملهوفين، أو مساعدة
الفقراء والمحتاجين، أو التعاون مع جمعيات البر، وغيرها.
31- التدريب على اتخاذ القرار:كأن يعمد الأب إلى وضع الابن في مواضع التنفيذ، وفي المواقف المحرجة، التي
تحتاج إلى حسم الأمر، والمبادرة في اتخاذ القرار، وتحمُّل ما يترتب عليه،
فإن أصاب شجعه، وإن أخطأ قوَّمه بلطف; فهذا مما يعوده على مواجهة الحياة.
32- فهم طبائع الأولاد ونفسياتهم:وهذا يحتاج إلى شيء من الذوق، ودقة النظر. وإذا وفِّق المربي لتلك الأمور،
وعامل أولاده بذلك المقتضى؛ كان حريّاً بأن يحسن تربيتهم، وأن يسير بهم
على الطريقة المثلى.
33- تقدير مراحل العمر للأولاد:فالولد يكبر، وينمو تفكيره، فلا بدّ أن تكون معاملته ملائمة لسنه وتفكيره
واستعداده، وألا يعامل على أنه صغير دائماً، ولا يعامل أيضاً وهو صغير على
أنه كبير; فيطالب بما يطالب به الكبار، ويعاتب كما يعاتبون، ويعاقب كما
يعاقبون.
34- تلافي مواجهة الأولاد مباشرة: خصوصاً في مرحلة المراهقة، بل ينبغي أن يقادوا عبر الإقناع، والمناقشة الحرة، والحوار الهادئ البناء، الذي يجمع بين العقل والعاطفة.
35-الجلوس مع الأولاد:فمما ينبغي للأب مهما كان له من شغل أن يخصص وقتاً يجلس فيه مع الأولاد،
يؤنسهم فيه، ويسليهم،ويعلمهم ما يحتاجون إليه، ويقص عليهم القصص الهادفة;
لأن اقتراب الولد من أبويه ضروري جدًا; وله آثاره الواضحة، حيث تستقر
أحوال الأولاد، وتهدأ نفوسهم، وتستقيم طباعهم.
أما
الآباء الذين تشغلهم الدنيا عن أولادهم فإنهم يجدون غبَّ ذلك على الأولاد،
فينشأ الأولاد وقد اسودت الدنيا أمامهم، لا يعرفون مواجهة الحياة،
فيتنكبون الصراط، ويحيدون عن جادة الصواب، وربما تسبب ذلك في كراهية
الأولاد للوالدين، وربما قادهم ذلك إلى الهروب من المنزل، والانحدار في
هاوية الفساد.
36-العدل بين الأولاد: وأن
يتجنبوا تفضيل بعضهم على بعض، سواء في الأمور المادية كالعطايا والهدايا
والهبات، أو الأمور المعنوية، كالعطف، والحنان، وغير ذلك.
37-إشباع عواطفهم:وإشعارهم بالعطف، والرحمة; حتى لا يبحثوا عنه خارج المنزل; فالكلمة
الطيبة، واللمسة الحانية، والبسمة الصادقة، وما جرى مجرى ذلك له أثره
البالغ في نفوس الأولاد.
38-النفقة عليهم بالمعروف: وذلك بكفايتهم، والقيام على حوائجهم; حتى لا يضطروا إلى البحث عن المال خارج المنزل.
39- إشاعة الإيثار بينهم:وذلك بتقوية روح التعاون بينهم، وتثبيت أواصر المحبة فيهم، وتعويدهم على
السخاء، والشعور بالآخرين، حتى لا ينشأ الواحد منهم فرديًا لا هم له إلا
نفسه.
40-الإصغاء إليهم إذا تحدثوا وإشعارهم بأهمية كلامهم: فالذي
يجدر بالوالد إذا تحدث ولده خصوصًا الصغير أن يصغي له تمامًا، وأن يبدي
اهتمامه بحديثه، كأن تظهر علامات التعجب على وجهه، أو يبدي بعض الأصوات أو
الحركات التي تدل على الإصغاء والاهتمام والإعجاب، كأن يقول: رائع، صحيح،
أو أن يقوم بالهمهمة، وتحريك الرأس وتصويبه، وتصعيده، أو أن يجيب على
أسئلته أو غير ذلك، فمثل هذا العمل له آثار إيجابية كثيرة منها: أن هذا
العمل يعلم الولد الطلاقة في الكلام، ويساعده على ترتيب أفكاره وتسلسلها،
ويدربه على الإصغاء، وفهم ما يسمعه من الآخرين، و ينمي شخصية الولد،
ويصقلها، ويقوي ذاكرته، ويعينه على استرجاع ما مضى، ويزيده قرباً من والده.
41-تفقد أحوال الأولاد، ومراقبتهم من بعد: ومن
ذلك:ملاحظتهم في أداء الشعائر التعبدية من صلاة، ووضوء، ونحوها ، والسؤال
عن أصحابهم، وراقبة ما يقرؤونه، وتحذيرهم من الكتب التي تفسد أديانهم،
وأخلاقهم، وإرشادهم إلى الكتب النافعة.
42- إكرام الصحبة الصالحة للولد:وذلك بتشجيع الولد على صحبتهم، وحثه على الاستمرار معهم، وبحسن استقبالهم
إذا زاروا الولد، بل والمبادرة إلى استزارتهم، وتهيئة ما يلزم لهم من
تيسيرات مادية ومعنوية. أما النفور من الصحبة الصالحة للولد والجفاء في
معاملتهم فلا يليق، ولا ينبغي; لأنه يشعر الولد بعدم قبولهم والرضا عنهم،
فيسعى لمقاطعتهم، أو يتخفى في علاقته بهم، أو يتركهم، فيقع فريسة لأصحاب
السوء.
43- مراعاة الحكمة في إنقاذ الولد من رفقة السوء: فلا
ينبغي للوالد أن يبادر إلى العنف واستعمال الشدة منذ البداية، فلا يسارع
إلى إهانتهم أمام ولده، أو طردهم إذا زاروه لأول مرة، لأن الولد متعلق
بهم، ومقتنع بصحبته لهم.
بل
ينبغي للأب أن يتدرج في ذلك، فيبدأ بإقناع ولده بسوء صحبته، وضررهم عليه،
ثم يقوم بعد ذلك بتهديده وتخويفه وإشعاره بأنه ساعٍ لتخليصه منهم، وأنه
سيذهب إلى أولياء أمورهم كي يبعدوا أبناءهم عنه، فإذا حذر ابنه وسلك معه
ما يستطيع، وأعيته الحيلة في ذلك، ورأى أن بقاءه معهم ضرر محقق- فهناك
يسعى لتخليصه منهم بما يراه مناسبًا.
44-التغافل لا الغفلة عن بعض ما يصدر من الأولاد من عبث، أو طيش:فذلك نمط من أنماط التربية، وهو مبدأ يأخذ به العقلاء في تعاملهم مع
أولادهم ومع الناس عموماً; فالعاقل لا يستقصي، ولا يُشْعِر من تحت يده أو
من يتعامل معهم بأنه يعلم عنهم كل صغيرة وكبيرة; لأنه إذا استقصى، وأشعرهم
بأنه يعلم عنهم كل شيء ذهبت هيبته من قلوبهم.
ليس الغبي بسيد في قومه لـكن سيد قومه المتغابي
ثم
إن تغافله يعينه على تقديم النصح بقالب غير مباشر، من باب: إياك أعني
واسمعي يا جاره، ومن باب: ما بال أقوام. وربما كان ذلك أبلغ وأوقع.
45-البعد عن تضخيم الأخطاء:فجميع البيوت تقع فيها الأخطاء فمقل ومستكثر; فكسر الزجاج، أو بعض
الأواني، أو العبث ببعض مرافق المنزل، ونحو ذلك لا يترتب عليه كبير فساد;
فكل الناس يعانون من ذلك.
46-اصطناع المرونة في التربية: فإذا
اشتدت الأم على الولد لان الأب، وإذا عنّف الأب لانت الأم; فقد يقع الوالد
على سبيل المثال في خطأ فيؤنبه والده تأنيباً يجعله يتوارى; خوفاً من
العقاب الصارم، فتأتي الأم، وتطيب خاطره، وتوضح له خطأه برفق، عندئذ يشعر
الولد بأنهما على صواب، فيقبل من الأب تأنبيه، ويحفظ للأم معروفها،
والنتيجة أنه سيتجنب الخطأ مرة أخرى.
47-التربية بالعقوبة: فالأصل
في تربية الأولاد لزوم الرفق إلا أن العقوبة قد يحتاج إليها المربي، بشرط
ألا تكون ناشئة عن سورة جهل، أو ثورة غضب، وألا يُلجأ إليها إلا في أضيق
الحدود، وألا يؤدب الولد على خطأ ارتكبه للمرة الأولى، وألا يؤدبه على خطأ
أحدث له ألماً، وألا يكون أمام الآخرين. ومن أنواع العقوبة العقاب النفسي،
كقطع المديح، أو إشعار الولد بعدم الرضا، أو توبيخه أو غير ذلك. ومنها
العقاب البدني الذي يؤلمه ولا يضره.
48-إعطاء الأولاد فرصة للتصحيح: حتى
يرتقوا للأفضل، ويتخذوا من الخطأ سبيلاً للصواب; فالصغير يسهل قياده،
ويهون انقياده، فلا ينبغي للوالد أن يأخذ موقفاً واحداً من أحد أولاده،
فيجعله ذريعة لوصمه وعيبه، كأن يسرق مرة فيناديه باسم السارق دائمًا، دون
أن يعطيه فرصة للتصحيح وهكذا .
49- الحرص على أن يكون التفاهم قائمًا بين الوالدين: ويبتعدا
عن عتاب بعضهما لبعض أمام الأولاد; حتى يتوفر الهدوء في البيت، فيجد
الأولاد فيه الراحة والسكن، فيتعلقوا بالبيت أكثر من الشارع.
50- تقوى الله في حالة الطلاق:فإذا قدر بينهما الطلاق فعليهما بتقوى الله، وألا يجعلا الأولاد ضحية
لعنادهما وشقاقهما، وألا يغري كلُّ واحد منهما بالآخر، بل عليهما أن يعينا
الأبناء على كل خير، ويوصي كل واحد منهما الأولاد ببر الآخر، بدلاً من
التحريش، وإيغار الصدور، وتبادل التهم، وتأليب الأولاد، وإلا فإن النتيجة
الحتمية في الغالب أن الأولاد يتمردون على الجميع، والوالدان هما السبب في
ذلك; فلا يلوما إلا أنفسه