الغفران، بنك السعادة.

لا يوجد احد عصم من الاذى والألم الذي نتج عن تقريع اخوي، او تأنيب أبوي، او لوم زميل، او أخطاء حبيب، او زلات رفيق، او تجاهل صديق. ألم، ثم ألم ... ثم آلام لا تنتهي.

اذا لم تكن قد مارست الغفران وروضت روحك على التسامح فإنك قد تدفع الثمن غاليا من سعادتك وصحتك النفسية بسبب هذه الآلام . من خلال تبني مشاريع المغفرة مع الاخرين فانك تبني لنفسك حياة مستقرة مع الأمن والسلام والرفاه. حت
ى القصور اذا لم يكن فيها تسامح وغفران فإنها قبور مظلمة ومقفرة.

الغفران و التسامح رصيد عريض في بنك مشاعرك بوضعه الافتراضي الذي امدك الله به، لكنه قليلا ما يفعّل ويستخدم. ومن فضل الله سبحانه ان ميزانية الغل والضغينة ضعيف وقليل لكن للاسف مفعّلة في وضعها الافتراضي للمخلوق البشري إلا لمن عصمهم الله.

الغفران مثل حسابك في بريد الياهو او الجي-ميل او الهوتميل، تملك فيه امكانية لفتح الكثير من الحسابات المجانية متى ما رغبت و متى ما اردت، لكنها دائما تحتاج الى تفعيل بين فترة واخرى حتى لا يغلق فيها حسابك و تفقد معها مساحة من مراسلاتك وتواصلك مع من احبوك او اهتموا بك واهتميت بهم.

ببساطه الغفران هو قرار التخلي عن الاستياء والغل و عن أفكار التحدي و الانتقام. الغفران لا يعني أنك تنكر مسؤولية الشخص الآخر عن الاساءة لك، كما أنها لا تقلل أو تبرير حق الاخرين في التعدي عليك. وبالتأكيد فإنها لا تعني السذاجة او الضعف، قال صلى الله عليه وسلم ( ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).

إذا كنت لا ترحم و لا تغفر، فقد تدفع الثمن مرارا وتكرارا من خلال جلب الشعور بالغضب والمرارة في كل علاقة، وتجربة جديدة. قد تصبح حياتك بحر من الذكريات المؤلمة التي تتكسر امواجه على شاطئ الراحة والسلام . فتقتل متعتك بالحاضر وتشوه الصورة الجميلة للماضي وتحرق ما بقي لك من مساحات خضراء في المستقبل.

قد تشعر بأن حياتك تفتقر الى معنى أو هدف، و ان كنت على خلاف مع معتقداتك الروحية التي تدعوك للتسامح والسلام فسوف تختطف نعمة الايمان وسعادته من قلبك العابد. ولذلك كان فضل ربنا سبحانه علينا عظيم بان يجرى لنا قبل الاستقرار في جنة الخلد عمليات جراحية روحية، دقيقة ومعقده لم نصل الى فهم كيفيتها بعد، لتحقق لنا سعادة غير مختطفة و سلام غير مشوب وصفاء غير متعكر. هذه العمليات الربانية الروحية تجرى لقلب المؤمنين لتنزع منهم مستودع الضغينة والحقد و تبقي مستودعات التسامح والغفران، قال تعالى (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين).

سلوك المغفرة يحتاج منا الى الكثير من التدبر و الرعاية، نحتاج الى تدريب و ممارسه حقيقيه له كي ينمو ويستثمر الانسان فيه سعادته وراحة باله.

يرتبط التسامح والمغفرة بقدرات الذكاء العاطفي التي تكتسب بعض صفاتها من قدرة الذكاء الخاصة المسماه بالمرونة المعرفية. الدراسات النفسية اشارت الى ان سلوك ومشاعر الاستياء والغل تستشري في جسد يومك فتقتل سعادته وتعبث بصفاءه، ولا يعالجها مثل الغفران. الغفران الذي سيساعدك على:

التركيز بشكل افضل.
ويحسن جودة تفكيرك.
يحسن ذاكرتك .
يحسن تعاطفك وتفهمك لمن حولك.
يشعرك بالرفاه.
يخفف عنك الضغوط.
يقلل القلق والاكتئاب.
يساعد على انتظام نبضات القلب.
يخفف من آلام الجسم
يخفف من ضغط الدم .
يساعد على نظارة البشرة.
و غير ذلك.....

أجر الغفران الدنوي والاخروي عظيم، لذلك اترك ذلك السلوك الذي تلعب فيه دور الضحية و انتقل الى الدور الذي تكون انت الفاعل. تعديل السلوك هنا و المشاعر يعطيك القدرة على ان تتحكم في تصرفاتك وتحكم مثلك العليا ومصالحك الكبرى.

على مشارف شهر رمضان، شهر الخير والغفران، اخترت ان اكتب لكم في هذا الموضوع العظيم و لتلك الشخصيات العظيمة التي يكتنف مشاعرها بحر من التسامح والغفران.

الحمد الله على هذه النعمة و نسأل الله أن تعم الجميع
أميــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن