شكرا اختي الكريمة على هذا الموضوع القيم
صحيح أن الغشظاهرة إنسانية عالمية، وصحيح أنها عادة قديمة (قدم العلاقات الاجتماعية) ، لكنهأصبح اليوم يتنامي بشكل ملفت للنظر كما أصبح مثيرا للقلق في مجتمعات معينة دونأخرى.
وبما أن الغش المدرسي هو أحد مظاهرالغش في شتى تجلياته، فلا أحد يشك بالوتيرة التي يتنامى بها في مدارسنا وفيجامعاتنا وفي مراكز الامتحان بشكل ملحوظ، فما هي أسباب تنامي هذه الظاهرة ، وما هيالمخاطر التي تحف بها ناشئتنا ؟وتهدد المجتمع بصفة عامة؟ ثم أي اقتراحات قد تساهمفي التخفيف من سيادته؟.
1- تشخيص الوضعية:
في محاولة لاستطلاع رأي مختلف عناصر البنية التربويةالمعنية بالعملية التعلمية التعليمية (وذلك في إطار نقاشات غير رسمية) حول أسبابالغش، يمكن تجميع النتائج فيما يلي :
منجهة المعنيين بالغش (التلاميذ، الطلبة..) ترجع أسباب اللجوء إلى الغشإلى:
- الخوف من الرسوب.
- عدم الاستعداد الكافي للامتحان والراجع لعوامل متعددةمثل: التوقيت المحدد له، كثافة ازدحام مختلف المواد الممتحن فيها في ظرف وجيز.
- صعوبة فهم واستيعاب مضامين بعض المواد .
- كثرة المواد المقررة (والممتحنفيها).
- تركيز أغلب الامتحانات علىالذاكرة .
- ليست هناك فائدة تذكر منمجموعة من المواد التي تتطلب الحفظ (ما جدوى أن أستظهر دون فهم لكي أنسى ذلك مباشرةبعد الامتحان؟).
- ضغط الأسرة المستمروالإلحاح على ضرورة المزيد من التحصيل دون مراعاة القدرات الفعليةللتلميذ.
- الرغبة في الحصول على نتائجترفع من قيمة الفرد في أسرته ولدى معلميه.
- الاندفاع نحو المغامرة واختبار قدرة الذات على كسر القيودوالحواجز المفروضة .
- والتعرف أكثر علىالقدرات والمهارات الذاتية في التحايل على المراقب وتنويع طرقالتدليس.
- الأجواء السائدة خلال الامتحانقد تسمح بالغش (الاكتظاظ ، تساهل المراقبين، عدم آدائهملمهامهم،,,,,,,,,,,).
- الخوف من التهميشأو التعرض لمضايقات الزملاء، لرفض تمرير (النقلة كما يسميها بعضالتلاميذ).
- الغش مسألة عامة وشائعة فيجميع المجالات فلم لا يمارسها التلاميذ والطلبة.
من جهة المراقبين (الأساتذة،الإدارة..)
أما بعض المراقبينالمتساهلين خلال المراقبة وبعض الذين لا يترددون في مساعدة التلاميذ الممتحنين قدرالإمكان، فيعتبرون أن ذلك نوعا من التفهم و المساندة للأطفال والتضامن معهم نظرالأن:
- بالنسبة للصغار(مستوى الابتدائي): الأطفال لا زالوا صغارا ومندهشين في أوضاع الامتحان
- بالنسبة لمستوى الثانوي الإعدادي: لأنهم في حاجة إلىاجتياز الامتحان لفتح آفاق الدراسة أمامهم، وإلا فإنهم مهددون بمغادرة التعليموالأمر يقتضي بالتالي الرأفة من حالهم,,,
- بالنسبة للثانوي التأهيلي: لا بد من التعاطف معهم فلم يبق أمامهم إلا نيل شهادةالبكالوريا لكي يتخلصوا من المدرسة، أو لأنهم تعودوا على الغش فلم نعقد أمورهم فيالسنة النهائية ...
- الرغبة في خدمة الوطنبالرفع من نسب النجاح ومحاربة الهدر
- لدينا أطفال ونتمنى أن ييسر لهم الله الأمور على يد مراقبين رحماء، ومن أجل ذلكلابد من التساهل مع أطفال الآخرين..
- الغشيمارس في جميع الأقسام فلم يتم حرمان تلاميذ بعينهم دون غيرهم.
- التربية الحديثة تتطلب التساهل مع التلاميذ وعدم معاملتهمبصرامة.
- الإدارة التربوية تفضل أن يمرالامتحان في هدوء والتستر على حالات الغش لأن تسجيل الحالات يعطي المؤسسة سمعة غيرلائقة ويخلف انطباعا سلبيا لدى الجهات المسئولة: اعتقادا منهم أن مصداقية المؤسسةتقاس بانعدام أو قلة حالات الغش المضبوطة بها)، وفي هذا الإطار تكلم البعض عنالمضايقات التي يتعرضون لها من طرف التلاميذ(الذين يعتبرون الغش حق مكتسب) أو منطرف الإدارة التربوية أو في بعض الأحيان من أولياء أمور التلاميذ.
- الاستسلام للأمر الواقع ورفض كل مواجهة، أو الخوف منانتقام المعنيين بالأمر .
- و على غرار ردمجموعة من التلاميذ،هناك من استنكر غياب التسامح مع التلاميذ خلال قيامهم بعملياتالغش، لأن الغش متفشي ومنتشر على أوسع نطاق وفي كل المستويات.. فلم اعتباره مصدرقلق عندما يتعلق الأمر بالتلاميذ...
منجهة الأسرة( أمهات،آباء وأولياء التلاميذ..)
أما بعض الآباء وأمهات التلاميذ وأولياءهم الذين يفضلونالتضامن مع أبنائهم (بوعي منهم أو بدون وعي) فالمهم بالنسبة إليهم هو:
- الرغبة في تفوق أبنائهم كيفما كانتالوسائل.
- المهم هو الحصول على نقط جيدة،أما القدرات والمهارات والقيم.. فتعلمها له الحياة..
- تلاميذ اليوم ليسوا كتلاميذ الأمس، في حاجة ماسة إلىالمرافقة باستمرار coaching: الساعات الخصوصية المشروعة وغير المشروعة ...
- فقدان الثقة في المدرسة وفي أطرهاوالتعامل معهم بنوع من النفعية وبمنطق التجارة.
- النجاح في الامتحان نسخة مصغرة عن النجاح في الحياة،والحياة في مجتمعنا تتطلب أن يكون الشخص قادرا على انتهاز جميع الفرص وتحينها لبلوغالمقصود، والعبرة بالنتيجة..
- الجميع يغشلم لا التلاميذ، شرط ألا يبالغوا...
تلككانت بعض خلاصات آراء عينات من التلاميذ والأباء والأمهات وأولياء التلاميذ وبعضالأساتذة ،(في إطار لقاءات ودية غير رسمية) وهي آراء تعبر في مجملها على كون الغشفي الامتحانات أصبح بالفعل ظاهرة مستفحلة .
كما تبين فعلا أن الغش هو نتيجة ظروف ذاتية وأخرى موضوعيةذكر منها الكثير ونضيف إليها مجموعة من العوامل التي تخل بالعملية التعليمة من قبيل :
- صعوبة إنجاز البرامج والمقرراتالدراسية في ظروف ملائمة، نظرا للاكتظاظ الذي تعرفه قاعات الدرس وتعدد المستويات،وكثرة الأقسام الموكولة للأستاذ الواحد، بحيث قد يصل في بعض الأحيان إلى سبعة قسملنفس الأستاذ؛ وكثافة الدروس طول المقررات... مما يحول دون التعرف على التلاميذوالاقتراب منهم وتفهم خصوصياتهم، بالإضافة إلى النقص في التكوين المستمر مما يحولدون تقوية مؤهلات الطاقم التعليمي وتحفيزه على توظيف الطرق التربوية الحديثة التيتركز المتعلم وتنويعها...وبالتالي الاعتماد بالدرجة الأولى على الإلقاء والتلقين. وتعكس ذلك طرف التقويم التي لم تساير بعد في عمومها التصور الناظم للمقررات والتيلا زالت كلها كتابية وتركز في أغلبها على الحفظ والاستظهار وتهمل قياس المهاراتوالقدرات...
2- مخاطر الغش
فعلا هناك صعوبات وهناك مشاكلوثغرات في عمليات التدريس والتقويم، هناك مشاكل تهم محيط المدرسة وغيرها ولكن إلىأي مدى يصبح الغش مشروعا في فضاء يعهد فيه التربية على القيم.
هل نعتبر من المشروع أن يغش لتلميذ بحجة أن الامتحان صعب أوأن الظروف غير ملائمة ؟ وهل يحق لنا أن نسمح بالغش في الامتحان لأن الغش يمارس خارجالمدرسة؟ هل يحق لنا أن نسمي التساهل مع التلاميذ ومساعدتهم على تيسير عمليات الغشتضامنا معهم؟ ألا ننساهم في خلخلة منظومة القيم والمنظومة المجتمعية بكاملها عندمانتواطأ بالسكوت عن ظواهر مثل الغش والرشوة والتزوير..؟
كلنا يعرف أن الطفل يحتاج في تكوين شخصيته إلى من يساعدهعلى التمييز بين الصواب والخطأ كما يحتاج إلى قدوة حسنة يستند إليها في تثبيتسلوكياته، ولكنه في غياب القدوة والتتبع الكافي قد يكتسب من اللعب و في إطار علاقاتمعينة سلوكيات تهدف الفوز والانتصار بمختلف الطرق، وقد يحول هذه السلوكيات إلىالمجال المدرسي ويكيفها مع متطلبات التقويم، في نفس الاتجاه عندما يجد مربينيتساهلون معه أو يتعاملون معه كأنه مجرد خطأ بسيط (على أكبر تقدير) فلا شك أنهسيعتبر الغش سلوكا طبيعيا ويكون اقتناعا بأن الغش هو الذي يمكنه من تجاوز العقباتالتي تقف في طريقه، وقد يشعر في بعض الحالات بالظلم إذا ما منع أو عوقب علىالغش.وقد تزداد خطورة ذلك ، من تم إذا أصبح الأمر كذلك (قريبا أو أعمق من ذلك) فالغش ينقص لدى الفرد الشعور بمسؤولياته الفعلية في علاقاته بذاته (من حيث اعتمادهعلى نفسه والثقة بها...) وفي علاقته بالآخرين من حيث تواكله وأيضا من حيث فقدان روحالمنافسة بين التلاميذ، مما يقضي إمكانيات تقييم عمل التلاميذ تقييما منصفا ويقضيتبعا لذلك على مصداقية الامتحان ، وهذا ما ينعكس في بعض الأحيان على شعور التلاميذباللامبالاة بالدراسة والتحصيل ما دام الغش في اعتقاد البعض منهم هو الذي سيمكن منالفوز.
ما الذي يمكن أن ننتظره من هذهالعينة من التلاميذ؟ إذا لم تكن أية مجهودات ذاتية وموضوعية تساهم في محاولة ردالأمور إلى نصابها .
مثل هذه الأمور تهددالقيم وتهدد بإضعاف الضمير الجمعي وجعله يستبيح ظواهر مرتبطة بالغش مثل الرشوة،التزوير... وتصبح وكأنها أمرا واقعا لا يمكن التخلص منه..
وهكذا فكلما تم التساهل مع التلاميذ إزاء ظاهرة الغش كلماأدى ذلك إلى زيغ المدرسة عن الأهداف المتوخاة منها و إلى تحولها في بعض الأحيان منفضاء للتعلم والتحصيل و اكتساب مهارات وتكوين شخصية متزنة قادرة على حب بلدهاوخدمته,,,إلى فضاء تتم فيه تعليمات متنافية مع الأهداف وتكتسب فيه مهارات الغشالمدرسي القابلة للتطور والنمو و التكيف مع أنواع الغش في الحياة من قبيل الكذبوالسرقة التزوير والمحسوبية والرشوة والتدليس والخداع الخ.. وبالتالي تصبح فضاءيساهم في إنتاج مواطن انتهازي غير مسئول ولا محب لوطنه ولا واثق فيذاته...
3-العـــــــــــــلاج؟؟
لا يمكن الشروع في محاولة الحد من الظاهرة إلا إذا كان هناكإيمان قوي بإمكانية التغيير، وإمكانية تخليق الحياة العامة، وبالطبع لا يمكنالادعاء بأن مجموعة من المقترحات والتدابير ستمكن من إعطاء الحل، وإنما نطمح فقط فيأن تساهم في إرساء قواعد سلوك متوجهة قدما نحو الأهداف المنشودة، ومن بين المقترحاتنذكر:
1. ضرورة تنويع الطرق التعليميةالتعليمة وعدم إثقال كاهل التلميذ بمواد الحفظ والاستظهار وتعويضها باعتماد الطرقالفعالة في التعلم التي تساهم في خلق جو تواصلي فعال ، وبالتالي رفع الضغط النفسيعن التلاميذ لمزيد من التحصيل وتوجيههم بواسطة أنشطة متدرجة في صعوبتها وتتفق بشكلأساسي مع قدراتهم، مما يمكن من زرع روح الثقة المتبادلة بين التلميذوالأستاذ.
2. تسهيل عمليات التكوين المستمربالنسبة للأساتذة ليتمكنوا من مواكبة المستجدات التربوية ورفع إمكانياتهم التربوية،وخلق أجواء ملائمة للتدريس...
3. البحث فيمختلف سبل توطيد العلاقة بين الأسرة والمدرسة من أجل فهم أعمق للتلميذ، ومن أجلالاطمئنان على مستوى التلاميذ خلقيا، وعقليا وروحيا وبدنيا..ومن أجل توعية أولياءالأمور بخطورة الغش على مستقبل أبنائهم.
4. أهمية توعية وتحسيس بمختلف المعنيين بمخاطر الغش بوصفهسلوكا غير سوي، وتعميق التفكير في عواقب الغش على كل من الفرد والأسرة والمدرسةوالمجتمع(من خلال ورشات عمل، ندوات، .).
5. إحداث وتفعيل آليات الإنصات إلى مشاكل التلاميذ(داخل المؤسسات التعليمية)،ومساعدتهم على إيجاد الحلول المناسبة لها، وتفعيل دور مناديب الأقسام في تمثيليةالتلاميذ في مجلس التدبير ومختلف المجالس التي تنعقد على مستوى المؤسسة (لجعلالتلميذ ينخرط فعليا في الحياة المدرسية).
6. تنظيم وتفعيل حصص الدعم والتقوية لمقامة ظاهرة الدروسالخصوصية غير المشروعة التي تساهم في فقدان الثقة بين التلميذوالأستاذ...
7. وطبعا محاولة توجيهالتلاميذ الذين يمارسون الغش –كسلوك غير سوي- وتوعيتهم بآثاره السلبية على شخصيتهموسلوكياتهم ومساعدتهم على تكوين قناعة ذاتية واتخاذ قرار تجنبه، ومعاقبة الذينيتمادون في ممارسة الغش، ثم تشديد العقوبات على الذين لم يستفيدوا من المراحلالسابقة...