تمتلك الدكتورة موزة الكعبي الاستاذة في كلية الآداب للبنات بالدمام تخصص خدمة الافراد خبرات واسعة فيما يتعلق بالقلق النفسي وكيفية علاجه من منظور اسلامي من خلال تقديمها لدراسة متكاملة استغرقت منها ما يقارب ست سنوات للبحث في مدلولات القلق النفسي وابعاده المختلفة واصلاح بعض المفاهيم الخاطئة حول مفهوم المرض النفسي, التقينا بها لتحدثنا عن تجاربها العملية في استخدام البرامج الاسلامية في علاج حالات القلق النفسي ..
*ما الذي نعنيه بمفهوم القلق? ** تباينت الآراء والتعريفات المحددة لمفهوم القلق فقد عرف الغزالي القلق بقوله:\"\" بأنه عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب مكروه في المستقبل, اما القلق عند علماء النفس فقد اشار فرويد الى ان القلق هو حالة من الخوف الغامض الشديد الذي يمتلك الانسان ويسبب له كثيرا من الكدر والضيق, و ذكر محمد عودة في كتابه (الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام): ان القلق شعور غامض غير سار ومبالغ فيه خارج نطاق سيطرة المريض, اما في الطب فقد عرفه احمد عكاشة انه شعور عام غير سار مملوء بالقلق والخوف والتوتر مصحوب ببعض الاحساسات الجسمية تأتي على شكل نوبات متكررة .. * ما هي ابرز الاعراض المصاحبة لحالة القلق? ** يمكن تصنيف الاعراض المصاحبة لحالة القلق بانها اعراض جسمية ونفسية واجتماعية وتتمثل الاعراض الجسمية في الضعف العام والشعور بالتعب والصداع المستمر والشعور بضيق النفس, والدوار وفقدان التوازن العام, وتصبب العرق, والتوتر العضلي وعسر الهضم وجفاف الفم والحلق وشدة الحساسية للصوت والضوء,كما يحدث اضطراب في النوم ويكثر التبول والاسهال والامساك, اما الاعراض النفسية فتتمثل في العصبية وسهولة الاستثارة والخوف والشك وتوهم المرض والاحساس بقرب النهاية والخوف من الموت والأماكن المتعلقة به وفقدان الشهية وصعوبة النوم .. * هل يمكن اعتبار الجانب الوراثي احد العوامل المؤدية للاصابة بالقلق? ** يرى بعض علماء الطب ان هناك تفسيرات بيولوجية للاضطرابات منها ان الاصابة بالمرض او التعرض للاصابة به قد يتم توارثه عن طريق بعض الجينات, ويرى البعض الآخر من علماء الطب ان لا اثر للوراثة الا بشكل ثانوي, بينما تلعب البيئة والمحيط الاجتماعي الدور الرئيسي والجوهري في تغذية الاصابة بالقلق النفسي .. * هل للعوامل النفسية دور في تغذية مشاعر القلق لدى الانسان? ** بالطبع فالإنسان شأنه شأن كل كائن حي يخضع في كل لحظة من حياته لمتغيرات لا تحصى ولا تتوقف بعضها داخلية وبعضها خارجية فالمتغيرات الداخلية على سبيل المثال جميع الوظائف الحيوية كشعور الفرد بالجوع والشبع والعطش, اما المتغيرات الخارجية فكثيرة ومتعددة منها: المتغيرات الطبيعية كدرجة الحرارة الخارجية والرطوبة والضوء والهواء والرياح والكوارث الارضية والجوية .. ونجد ان الناس يختلفون في سماتهم الشخصية فبعض الناس يميلون الى القلق من البعض الآخر بينما البعض الآخر نادرا ما يظهرون اهتماما بالاحداث التي حولهم كما نلاحظ اختلافات واضحة في ردود فعل الافراد ليس فقط من حيث درجة التأثر بالحدث وانما ايضا في نوعية ذلك التأثير .. * وماذا عن دور البيئة والمحيط الاجتماعي في اثارة مشاعر القلق لدى الافراد? ** ان العلاقات الانسانية والتعامل بين الناس في المنزل والشارع وميدان العمل والمصالح الاقتصادية بما تشكله من ضغوط نفسية تؤدي وظيفة اساسية في نشوء حالات القلق النفسي, كما ان نوع التربية والرعاية في الطفولة لهما تأثير كبير في نشوء حالات القلق. * كيف عالج الاسلام مشكلة القلق وابعادها المتباينة في حياة الانسان? ** كفل المنهج الاسلامي للنفس البشرية حمايتها من الاضطرابات والخلل حيث افاض على القلوب الطمأنينة وعلى العقول السليمة النضج والوعي ,, وقد اتفق الكثير من علماءالنفس على ان الايمان بالله هو اساس الاطمئنان النفسي والوقاية من القلق الذي يسيطر على النفس الخاوية من الايمان فنقص المعرفة واليقين والثقة بالله تعالى التي هي اساس العلاقة بين الانسان وخالقه تؤدي الى وقوع المشكلات سواء اشبعت تلك الحاجات او كان الحرمان والافتقار مصيرها .. * قمت من خلال دراستك بمحاولة استيضاح الدور الذي تؤديه المفاهيم العقدية والشعائر الدينية في تقليص نسبة الشعور بالقلق لدى الانسان من خلال تطبيق برنامج عملي اسلامي في علاج مجموعة من المريضات بالقلق,ما ابرز الاساليب التي استخدمتها في التطبيق العلاجي لهذا البرنامج? ** من خلال دراستي الميدانية اتضح لي ان للمفاهيم العقدية التي استخدمتها مع المريضات دوراً هاماً في التخفيف من حدة اعراض القلق والاساليب التي استخدمتها في العلاج الاسلوب العقدي والقولي ويتضمن العلاج بتلاوة القرآن والدعاء والاسلوب السلوكي ويتضمن الوظائف التي يجب على الزوجة تأديتها من المنظور الاسلامي وهي الوظيفة الزوجية والوالدية والوظيفة القرابية. * كيف يبرز التأثير الواضح للايمان بالقضاء والقدر في حياة الانسان? ** الانسان معرض لكثير من مواقف الفشل والاحباط في حياته فعليه ان يعد العدة لمواجهة كل ما يعترضه من الصعوبات وان تكون لديه قدرة كبيرة على التحمل وهذا لا يتحقق الا عن طريق الايمان بالله والتسليم بقضائه وقدره, فخير وسيلة يمكن ان يواجه بها الفرد القلق النفسي هي ان يؤمن ان هذا مقدر عليه بقضاء الله ومشيئته, وقد اكدت المصادر الشرعية والدراسات العلمية على اهمية الايمان بالقضاء والقدر في علاج القلق النفسي من منطلق ان الله يختبر عباده بالابتلاءات والمصائب التي يجب على المؤمن ان يرضى بها ويتقبلها, وقد قمنا بممارسة هذا النوع من العلاج مع المريضات من خلال تقوية ايمانهن بالقضاء والقدر .. * هل يمكن اعتبار الشعائر الدينية والعبادات علاجا للعديد من الاضطرابات النفسية التي تعتري البعض? *اكدت بعض الدراسات على سبيل المثال ان الوضوء علاج اكيد للقلق اذ يؤدي الى استرخاء نفسي وقد ثبت علميا ان درجة القلق قبل الوضوء اكبربكثير منها عند الوضوء الكامل وبعده فالمصلي يشعر براحة نفسية واطمئنان قلبي عندما يعلم ان ذنوبه تكفر بالوضوء والصلاة .. وفي البرنامج الذي قمت بتطبيقه على عينة من المصابات بالقلق النفسي, وضمن استخدام العلاج القولي قمت ببيان فوائد الصلاة وآثارها النفسية وانها صلة بين العبد وربه وهي تنهى عن الاثم وتمحي الخطايا, وتأتي الزكاة بما تدل عليه من معاني البذل والتضحية والعطف والحنان والضامن والاخاء ومحاربة الشح والبخل, كما ان الصوم يمنح الانسان آمالاً في الثواب ويساعده على التخلص من المشاعر السلبية المصاحبة للمرض النفسي وهكذا الوضع مع باقي العبادات والشعائر الدينية .. * ما اهمية ادخال برنامج اسلامي في برامج العلاج في المستشفيات والمراكز النفسية المتخصصة? وما اهم النتائج والمقترحات التي توصلت اليها من واقع التطبيق الميداني من خلال الدراسة التي قمت بها حول ممارسة برنامج اسلامي مع حالات القلق النفسي? ** تكمن اهمية ادخال برنامج اسلامي في برنامج العلاج النفسي من منطلق ضرورة دمج العلاج الطبي النفسي مع العلاج الاسلامي المنبثق من التوجيهات الربانية التي تضمنتها العلوم القرآنية والسنة النبوية ومن خلال تطبيق تلك المفاهيم على مجموعة من المريضات كانت النتائج مثيرة جدا وحققت اهدافا ايجابية الى حد كبير لا سيما العلاج النفسي المطبق عليه الطابع الغربي فكان من اللازم ربط هذا النمط من العلاج بالمفاهيم الدينية ..وهناك عدة نتائج توصلت اليها من خلال دراستي منها ما يتعلق بتحقيق صحة الفروض ومنها ما يتعلق بالممارسة الفعلية اذكر منها انه قد اكدت الدراسة الميدانية التي أجريت على حالات القلق النفسي ان تطبيق البرنامج الاسلامي للعلاج بأساليبه ومحتوياته قد ادى الى انخفاض اعراض القلق النفسي وتحسين الاداء الاجتماعي للمريضات, كما تبين ان تطبيق برنامج التدخل المهني في خدمة الفرد الى فترة زمنية كافية لا تقل عن ستة اشهر تمكن الفرد من تكوين علاقة الاخوة في الله بتطبيق الاساليب العلاجية في خدمة الفرد بما يســمــح بإحــداث التأثير المطلوب والتغيير وخاصة مع حالات الاضطرابات النفــسية.